معلومات عامة

البترا… مدينة نُحتت في الصخر وبقيت خالدة في قلب التاريخ

من عاصمة الأنباط إلى عجائب الدنيا السبعة… قصة مدينة صنعت المجد من الحجر

في قلب صحراء الأردن الجنوبية، وبين جبال لونها يميل للوردي والأحمر، ولدت أسطورة اسمها “البترا”. مدينة ما انبنت بالحجارة العادية، بل انحتت مباشرة في قلب الجبل، وكأن الطبيعة والإنسان اتفقوا مع بعض ليخلقوا تحفة خالدة. وأنت تمشي بين ممراتها، بتحس كل صخرة فيها بتحكيلك سر من الماضي، وكل ظل جبل بيخليك تتخيل مشهد حياة كانت عامرة قبل آلاف السنين.

البترا مش بس آثار، هي قصة شعب عرف كيف يحوّل المستحيل لحقيقة. شعب الأنباط اللي جاؤوا من شمال الجزيرة العربية، واستقروا هون، شافوا الجبال مو كحواجز، بل كجدران بيتهم الكبير. صنعوا منها قصور، معابد، مسارح، ومقابر، وكلها من حجر واحد حي. ومن وسط الصحراء القاسية، طلعوا بمملكة غنية وقوية، تسيطر على طرق التجارة، وتربط الشرق بالغرب.

المكان نفسه بيخليك تفكر… كيف أناس عاشوا قبل أكثر من ألفي سنة قدروا يبنوا حضارة بهالجمال وبهالذكاء، ويخلوها صامدة لهاليوم؟ الجواب هو البترا، المدينة اللي بتختصر معنى الإبداع البشري والإرادة الصلبة.

البداية… كيف وُلدت مدينة في قلب الجبل

البترا تأسست في القرن الرابع قبل الميلاد على يد الأنباط، وهم قبيلة عربية بدوية كانت شاطرة في التجارة والتنقل. لما وصلوا جنوب الأردن، لقوا مكان استراتيجي جداً: محاط بجبال شاهقة تحميه من الغزوات، وبقلب طرق التجارة بين الجزيرة العربية، الشام، مصر، وبلاد ما بين النهرين. قرروا إنه هون رح تكون عاصمتهم، وبدأوا يحفروا بيوتهم، معابدهم، وأسواقهم داخل الجبل مباشرة.

عبقرية العمارة النبطية

أبرز مثال على عبقريتهم هو “الخزنة”، المعلم الأشهر في البترا. واجهتها ترتفع حوالي 40 متر، كلها محفورة بإتقان، فيها أعمدة، تيجان، وزخارف بتجمع بين الطراز المعماري اليوناني والروماني، مع لمسات عربية نبطية أصيلة. ولحد الآن، العلماء مش متأكدين 100% من وظيفتها الأصلية… البعض بيقول إنها مقبرة ملكية، والبعض بيعتقد إنها معبد.

لكن الخزنة مش وحدها. البترا فيها “الدير” اللي يعتبر أكبر مبنى منحوت فيها، والمسرح النبطي اللي يتسع لآلاف الأشخاص، والمقابر الملكية اللي واجهتها بتخليك تحس إنك واقف قدام متحف مفتوح، والمذابح اللي كانت تستخدم للطقوس الدينية.

سر البقاء وسط الصحراء… الماء هو الحياة

واحدة من أعظم إنجازات الأنباط كانت قدرتهم على جمع وتخزين المياه في منطقة شبه جافة. عملوا شبكة معقدة من القنوات، والأنابيب الحجرية، والصهاريج، لتجميع مياه الأمطار والسيول الموسمية. هالنظام سمح للمدينة إنها تعيش وتزدهر حتى في أوقات الجفاف، وزاد من قدرتها على استقبال القوافل التجارية.

مركز تجارة عالمي

البَترا ما كانت مدينة منعزلة، بل كانت مركزاً تجارياً حيوياً. كانت القوافل تجي من كل مكان، محمّلة بالبخور، التوابل، الذهب، والأحجار الكريمة، وتتوقف في البترا للتبادل والتجارة. موقعها الجغرافي خلّاها همزة وصل بين حضارات مختلفة، وهذا انعكس على ثقافتها وفنونها.

سقوط المدينة والنسيان

مع مرور الزمن وتغير طرق التجارة، بدأت البترا تفقد أهميتها الاقتصادية. وبعد زلزال قوي ضرب المنطقة في القرن الرابع الميلادي، تضررت كثير من مبانيها. ومع قلة السكان، صارت شبه منسية، وظلت مختبئة بين الجبال حتى اكتشفها الرحالة السويسري “يوهان لودفيغ بوركهارت” عام 1812، وأعادها لخرائط العالم.

العودة للمجد… من النسيان إلى عجيبة الدنيا

في سنة 1985، سجلت اليونسكو البترا على قائمة التراث العالمي، وفي 2007، دخلت رسميًا قائمة عجائب الدنيا السبع الجديدة بعد تصويت ملايين الناس حول العالم. اليوم، البترا تستقبل مئات الآلاف من الزوار سنويًا، وكل زائر بيطلع منها وقلبه متعلق بمشهد الخزنة وممرات السيق.

البترا مش بس مدينة قديمة… هي درس في الصبر، الإبداع، والقدرة على تحويل الظروف الصعبة لفرص عظيمة. لما تمشي في السيق وتشوف الخزنة قدامك، بتحس كأنك عايش اللحظة اللي عاشها الأنباط وهم بيبنوا مجدهم. هي روح الماضي اللي لسه بتتنفس بالحاضر، وحتضل رمز من رموز الأردن وفخر للعرب.

المدينة الوردية بتقول لكل اللي يزورها: “المجد مش بس كلمة، المجد حجر منحوت بعرق الأجيال، ويضل واقف مهما مر عليه الزمن”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى